مقدمة

تشكل ظاهرة تغير المناخ أحد أهم التحديات التي تواجه جميع الدول في الوقت الحاضر. وتؤكد التقارير الصادرة عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) بوضوح أن الانبعاثات الضارة الناتجة عن الأنشطة البشرية على مدار القرن الماضي، قد أدت إلى تركيزات هائلة من الغازات الدفيئة المنبعثة إلى الغلاف الجوي للأرض. وقد ساهم هذا بلا شك في الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الغلاف الجوي، وارتفاع درجة حرارة المحيطات والى الخسائر الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
وفي حين تؤكد جميع الدراسات والقياسات الميدانية أن مساهمة الدول العربية في ظاهرة الاحتباس الحراري منخفضة نسبياً، فإن النمذجة المناخية التي أجريت في إطار المبادرة الإقليمية لتقييم آثار تغير المناخ على الموارد المائية وقابلية التأثر الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية (ريكار) تشير الى أنه من المتوقع أن تتأثر مساحات شاسعة من المنطقة العربية سلبا بتغير المناخ، إذ سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة الى جعلها أكثر سخونةً وجفافاً، مما سيؤثر على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. في الواقع، تظهر الدراسات العلمية أن متوسط درجات الحرارة في المنطقة العربية قد ارتفع بالفعل بمقدار 0.8 درجة مئوية منذ بداية هذا القرن وسيرتفع بمقدار 4.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن في ظل سيناريو بقاء أوضاع الانبعاثات كماهي دون تدخل. وتشكل الفيضانات المفاجئة والجفاف والعواصف الرملية وتدهور الأراضي تهديداً جدياً للأمن المائي والغذائي، بتأثيراتها على البنية التحتية الحضرية والريفية وعلى سبل العيش في المجتمعات الضعيفة في أرجاء المنطقة.
تبذل العديد من البلدان العربية جهوداً كبيرةً للتخفيف من الأثر السلبي لتغير المناخ، من خلال الحد من انبعاثات الكربون والاعتماد على الوقود الأحفوري وتبني تدابير التكيف. وقد طورت العديد من الدول العربية برامج وطنية تركز على الطاقة المتجددة، كما استثمرت أموالاً كبيرةً في توليد الطاقة النظيفة، ورفع كفاءة استخدام الطاقة والمياه من خلال تحسين خطط الري وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. كما تنفذ بعض هذه الدول برامجاً وطنيةً للتشجير لعزل الكربون من الغلاف الجوي والحد من تآكل التربة. كما تقوم بعض الدول العربية بالإعداد لمشاريع لاحتجاز الكربون وتخزينه، بالإضافة إلى تبنيها سياسات اقتصادية تشمل تقديم الحوافز والإعانات للشركات الصناعية لتشجيعها على تبني بدائل سليمة بيئياً للوقود الأحفوري.
ولمواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الواسعة النطاق لهذه الظاهرة العالمية والتي ستؤثر سلباً علينا جميعاً، ينظم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي المؤتمر العربي للتعاون في مجال تغير المناخ الذي سيعقد في مقر الصندوق العربي في دولة الكويت خلال الفترة 29-30 مايو 2023.
سيبحث المؤتمر آثار تغير المناخ على المنطقة العربية وسيناقش تكوين الأدوات المالية المناسبة لتمويل المشاريع الخضراء لمساعدة البلدان العربية على تحقيق أهدافها المناخية. وستساهم في المناقشات مجموعة مختارة من 100 ممثل رفيع المستوى وكبار المسؤولين من المؤسسات العلمية والمالية الإقليمية العربية والمنظمات الدولية. سيناقش المؤتمر أيضاً المعايير المتعلقة بتصنيف المشاريع الخضراء لأغراض التمويل، سواءً كانت للتخفيف من آثار تغير المناخ أو للتكيف مع تلك الآثار.